تخيل لشبونة في العام 1502، خلال ذروة عصر البرتغال الذهبي للاستكشاف، حركة الميناء نشيطة فيما يزاح الستار عن أحدث إنجازات الإمبراطورية؛ سفينة جديدة ضخمة هي أفضل ما بنته الأمة المشهورة بالملاحة البحرية على الإطلاق؛ يبلغ طولها 118 قدما وارتفاعها 111 قدما فيما يقدر وزنها بأربعمئة طن، كانت «فلور دو لا مار» (بمعنى «زهرة البحر») أكبر سفينة في الأسطول.
سفينة للنهب
ابتداء من أول مسمار دُقَّ في أول لوح منها، كان من المقرر توجه السفينة البرتغالية إلى الهند لتخدم عظمة الرب والبلاد؛ من خلال غزو ونهب أرض الذهب والتوابل التي فتنت الغرب. يمكن القول إنها قد بنيت بعاقبة أخلاقية سيئة للغاية، لكنها كانت جميلة وإن كان فيها بعض العيوب التي اكتشفت في وقت قريب لاحق.
لم يمنعها ذلك من الصمود أكثر من متوسط العمر المتوقع الأنموذجي للقوارب المتجهة للهند في ذلك الوقت، فجابت البحار تسع سنوات قبل أن تغرق وتستقر في مدفنها النهائي، وعندما حل ذلك اليوم، أخذت معها ما اعتبره الكثيرون أثمن كنز جرى نقله في سفينة على الإطلاق.
بعد فترة قصيرة من رفع الستار الكبير سنة 1502، بدأت «فلور دو لا مار» رحلتها الأولى بقيادة القبطان «إستيفاو دا غاما» (Estêvão da Gama) أحد اقرباء المستكشف المشهور «فاسكو دا غاما» (Vasco da Gama). أبحر الطاقم إلى الهند حيث جمعوا كل الغنائم التي يتسع لها هيكل سفينتهم قبل توجيه صواريهم نحو الوطن.
لكن في رحلة العودة واجهت السفينة أولى صعوباتها، إذ اتضح أن واحدة بهذا الحجم تكون ثقيلة وبطيئة بعض الشيء وغير مناسبة تماما للمياه التي تسافر فيها، لذا بدأ الماء بالتسرب إليها. تم ترقيع الثقوب أخيرا لتصل إلى مينائها بعد عدة أشهر من موعدها المتوقع، ورغم عدم حل المشكلة تماما، لم تمتنع «فلور دو لا مار» عن مواصلة مشوارها المهني المذكور في القصص والأساطير.
تحت إمرة قبطان جديد، أبحرت بعد بضعة سنوات لتكون هذه رحلتها البحرية التجارية الثانية إلى الهند، لكن بعد مواجهتها سلسلة أخرى من التسربات السيئة في رحلة الرجوع، أفرغت في منتصف الطريق إلى وطنها وأعيد توجيهها لتحصل على إقامة دائمة كجزء من أسطول حربي يقوم بدوريات في الهند الشرقية ويستولي على أي شيء يجذب انتباهه.
عاصفة مميتة
خلال السنوات الأربع التالية، أصبحت سفينة حربية تساعد في غزو بعض أغنى المدن ثقافيا واقتصاديا في المنطقة؛ بضمنها سقطرى ومسقط وهرمز وغوا، ولمعظم هذا الوقت بقيت جزءا من الأسطول الذي يقوده «ألفونسو دي ألبوكيرك» (Alfonso de Albuquerque)؛ النبيل والأدميرال الذي أصبح لاحقا ثاني نائب لحاكم الهند البرتغالية.
سنة 1511، وضع ألبوكيرك عينيه على «ملقا» في شبه الجزيرة الماليزية، إذ كانت ذلك الوقت عند ملتقى طرق التجارة الإقليمية وأصبحت مركزا عالميا غنيا بالثروات والكنوز، وبذلك هي غنيمة لم يستطع ألبوكيرك مقاومة الاستيلاء عليها وأخذها لنفسه.
بعد حصار دام 12 يوما تخللته نشاطات العنف والقتل الأنموذجية، أعلن عن نجاح حملته وليس سياسيا فحسب، فإضافة للاستيلاء على المدينة لتكون آخر جوهرة في تاج الإمبراطورية البرتغالية، نهب ألبوكيرك الكنوز العظيمة للمدينة أيضا- وقصر السلطان تحديدا.
رغم تاريخها السيء كسفينة تجارية ناهيك عن عمرها المتقدم في ذلك الوقت، قرر القبطان أنها الوسيلة المثالية لنقل غنائمه الكبيرة، وكان سيعود منتصرا إلى بلاده جالبا معه ثروات غير محدودة مما يسهل العودة إلى الوطن بعد أكثر من ستة أعوام من إبحار ما كانت يوما أعظم سفن البرتغال.
كتب صائد المكافآت «روبرت ماركس» (Robert F. Marx) وزوجته «جينيفر» في كتاب «كنز ضائع في البحر: الغوص لحطام السفن الأعظم في العالم»: «الغنائم التي أخذها البرتغاليون من ملقا كانت مذهلة؛ أكثر من ستين طنا من الذهب بشكل حيوانات وطيور وأثاث مطلي وسبائك وعملات من قصر السلطان فقط».
وواصل: «احتلت مساحة كبيرة إلى حد أن أفراد الطاقم واجهوا صعوبة في خزن مئتي صندوق إضافية مملوءة بالجواهر؛ تبلغ قيمة الماس والزمرد والياقوت الأحمر والأزرق فيها أكثر من ثلاثين مليون كراون، وكانت ستساوي مليارات الدولارات
اليوم».
بحلول كانون الأول 1511، انتهت عمليات التحميل وكان ألبوكيرك جاهزا لبدء رحلة العودة على متن السفينة المذكورة، بعد يومين من الإبحار فاجأتها عاصفة مميتة، فقاومت المطر الشديد لبضعة ساعات حتى غرقت أخيرا بعد أن ضربت الصخور قرب ساحل سومطرة.
نهاية الأسطورة
كتب البرتغالي «تومي بيريس» (Tomé Pires) في مذكراته أثناء فترة عيشه في ملقا من سنة 1512 إلى 1515: «عندما كانت السفن تبحر على طول الساحل الشمالي- الشرقي لمنطقة باسي بسومطرة تعرضت لعاصفة شديدة، لتتحطم السفينة المشهورة القديمة في المياه الضحلة، مسببة خسائر فادحة في الأرواح وكل الكنوز القادمة من ملقا، حتى إن ألبوكيرك نفسه نجا بصعوبة شديدة».
وفقا لروايات متنوعة، انكسرت السفينة فورا إلى قسمين بعد اصطدامها بالصخور، وانقضت الأمواج لتحطم الجزئين إلى قطع صغيرة بسرعة. مات الـ400 شخص الذين كانوا على متنها جميعا تقريبا، باستثناء ألبوكيرك الذي هرب مع عدد من ضباطه مستخدمين أنموذج القرن السادس عشر من قارب النجاة، مجذفين بعيدا بسرعة وهم لا يحملون سوى الملابس التي يرتدونها، تاركين خلفهم كنزهم الذي تقدر قيمته اليوم بنحو 2,6 مليار دولار.
رغم تكرر المحاولات، لم يعثر أبدا على موقع حطام السفينة والغنائم التي حملتها، وبين الحملات الأكثر جدية لاكتشاف الكنز المفقود ما قامت به مجموعة «إنقاذ جنوب شرق آسيا» من سنغافورة بعد الحصول على موافقة من إندونيسيا سنة 1989 للبحث عن السفينة الغارقة.
انضم ماركس إلى الحملة وادعى في كتابه أنهم اكتشفوا على الأقل الصخور التي يعتقدون أنها المسؤولة عن نهاية السفينة، لكن قبل أن يشرع الفريق بالتنقيب بالشكل الصحيح في المكان المتوقع للحطام نشب خلاف بين ماليزيا والبرتغال وإندونيسيا بشأن من يملك حق المطالبة بأية غنائم قد يعثر عليها، لذا منعت الحملة من العمل وبقي موقع «فلور دو لا مار» غامضا.
حتى يومنا هذا، تختبئ السفينة التي كانت جزءا مهما من الأسطول البرتغالي في مكان ما قرب مضيق ملقا، منتظرة مجيء مغامر وغواص محظوظ ليكتشفها ويصبح غنيا. ورغم القول الشائع بأن الحطام الضائع يحمي أثمن كنز مدفون في البحر، أشارت بعض الأقاويل إلى أن الكنوز قد لا تكون بالحجم الذي كانت عليه سابقا.
يقول البعض إنه بعد تركها من قبل ألبوكيرك نجا عدد من ركابها، وعند توقف العاصفة حصل عدد من السكان المحليين- ربما بمساعدة الناجين- على بعض من ثرواتها قبل استقرار المتبقي منها في قاع البحر مفقودا إلى الأبد.
سفينة للنهب
ابتداء من أول مسمار دُقَّ في أول لوح منها، كان من المقرر توجه السفينة البرتغالية إلى الهند لتخدم عظمة الرب والبلاد؛ من خلال غزو ونهب أرض الذهب والتوابل التي فتنت الغرب. يمكن القول إنها قد بنيت بعاقبة أخلاقية سيئة للغاية، لكنها كانت جميلة وإن كان فيها بعض العيوب التي اكتشفت في وقت قريب لاحق.
لم يمنعها ذلك من الصمود أكثر من متوسط العمر المتوقع الأنموذجي للقوارب المتجهة للهند في ذلك الوقت، فجابت البحار تسع سنوات قبل أن تغرق وتستقر في مدفنها النهائي، وعندما حل ذلك اليوم، أخذت معها ما اعتبره الكثيرون أثمن كنز جرى نقله في سفينة على الإطلاق.
بعد فترة قصيرة من رفع الستار الكبير سنة 1502، بدأت «فلور دو لا مار» رحلتها الأولى بقيادة القبطان «إستيفاو دا غاما» (Estêvão da Gama) أحد اقرباء المستكشف المشهور «فاسكو دا غاما» (Vasco da Gama). أبحر الطاقم إلى الهند حيث جمعوا كل الغنائم التي يتسع لها هيكل سفينتهم قبل توجيه صواريهم نحو الوطن.
لكن في رحلة العودة واجهت السفينة أولى صعوباتها، إذ اتضح أن واحدة بهذا الحجم تكون ثقيلة وبطيئة بعض الشيء وغير مناسبة تماما للمياه التي تسافر فيها، لذا بدأ الماء بالتسرب إليها. تم ترقيع الثقوب أخيرا لتصل إلى مينائها بعد عدة أشهر من موعدها المتوقع، ورغم عدم حل المشكلة تماما، لم تمتنع «فلور دو لا مار» عن مواصلة مشوارها المهني المذكور في القصص والأساطير.
تحت إمرة قبطان جديد، أبحرت بعد بضعة سنوات لتكون هذه رحلتها البحرية التجارية الثانية إلى الهند، لكن بعد مواجهتها سلسلة أخرى من التسربات السيئة في رحلة الرجوع، أفرغت في منتصف الطريق إلى وطنها وأعيد توجيهها لتحصل على إقامة دائمة كجزء من أسطول حربي يقوم بدوريات في الهند الشرقية ويستولي على أي شيء يجذب انتباهه.
عاصفة مميتة
خلال السنوات الأربع التالية، أصبحت سفينة حربية تساعد في غزو بعض أغنى المدن ثقافيا واقتصاديا في المنطقة؛ بضمنها سقطرى ومسقط وهرمز وغوا، ولمعظم هذا الوقت بقيت جزءا من الأسطول الذي يقوده «ألفونسو دي ألبوكيرك» (Alfonso de Albuquerque)؛ النبيل والأدميرال الذي أصبح لاحقا ثاني نائب لحاكم الهند البرتغالية.
سنة 1511، وضع ألبوكيرك عينيه على «ملقا» في شبه الجزيرة الماليزية، إذ كانت ذلك الوقت عند ملتقى طرق التجارة الإقليمية وأصبحت مركزا عالميا غنيا بالثروات والكنوز، وبذلك هي غنيمة لم يستطع ألبوكيرك مقاومة الاستيلاء عليها وأخذها لنفسه.
بعد حصار دام 12 يوما تخللته نشاطات العنف والقتل الأنموذجية، أعلن عن نجاح حملته وليس سياسيا فحسب، فإضافة للاستيلاء على المدينة لتكون آخر جوهرة في تاج الإمبراطورية البرتغالية، نهب ألبوكيرك الكنوز العظيمة للمدينة أيضا- وقصر السلطان تحديدا.
رغم تاريخها السيء كسفينة تجارية ناهيك عن عمرها المتقدم في ذلك الوقت، قرر القبطان أنها الوسيلة المثالية لنقل غنائمه الكبيرة، وكان سيعود منتصرا إلى بلاده جالبا معه ثروات غير محدودة مما يسهل العودة إلى الوطن بعد أكثر من ستة أعوام من إبحار ما كانت يوما أعظم سفن البرتغال.
كتب صائد المكافآت «روبرت ماركس» (Robert F. Marx) وزوجته «جينيفر» في كتاب «كنز ضائع في البحر: الغوص لحطام السفن الأعظم في العالم»: «الغنائم التي أخذها البرتغاليون من ملقا كانت مذهلة؛ أكثر من ستين طنا من الذهب بشكل حيوانات وطيور وأثاث مطلي وسبائك وعملات من قصر السلطان فقط».
وواصل: «احتلت مساحة كبيرة إلى حد أن أفراد الطاقم واجهوا صعوبة في خزن مئتي صندوق إضافية مملوءة بالجواهر؛ تبلغ قيمة الماس والزمرد والياقوت الأحمر والأزرق فيها أكثر من ثلاثين مليون كراون، وكانت ستساوي مليارات الدولارات
اليوم».
بحلول كانون الأول 1511، انتهت عمليات التحميل وكان ألبوكيرك جاهزا لبدء رحلة العودة على متن السفينة المذكورة، بعد يومين من الإبحار فاجأتها عاصفة مميتة، فقاومت المطر الشديد لبضعة ساعات حتى غرقت أخيرا بعد أن ضربت الصخور قرب ساحل سومطرة.
نهاية الأسطورة
كتب البرتغالي «تومي بيريس» (Tomé Pires) في مذكراته أثناء فترة عيشه في ملقا من سنة 1512 إلى 1515: «عندما كانت السفن تبحر على طول الساحل الشمالي- الشرقي لمنطقة باسي بسومطرة تعرضت لعاصفة شديدة، لتتحطم السفينة المشهورة القديمة في المياه الضحلة، مسببة خسائر فادحة في الأرواح وكل الكنوز القادمة من ملقا، حتى إن ألبوكيرك نفسه نجا بصعوبة شديدة».
وفقا لروايات متنوعة، انكسرت السفينة فورا إلى قسمين بعد اصطدامها بالصخور، وانقضت الأمواج لتحطم الجزئين إلى قطع صغيرة بسرعة. مات الـ400 شخص الذين كانوا على متنها جميعا تقريبا، باستثناء ألبوكيرك الذي هرب مع عدد من ضباطه مستخدمين أنموذج القرن السادس عشر من قارب النجاة، مجذفين بعيدا بسرعة وهم لا يحملون سوى الملابس التي يرتدونها، تاركين خلفهم كنزهم الذي تقدر قيمته اليوم بنحو 2,6 مليار دولار.
رغم تكرر المحاولات، لم يعثر أبدا على موقع حطام السفينة والغنائم التي حملتها، وبين الحملات الأكثر جدية لاكتشاف الكنز المفقود ما قامت به مجموعة «إنقاذ جنوب شرق آسيا» من سنغافورة بعد الحصول على موافقة من إندونيسيا سنة 1989 للبحث عن السفينة الغارقة.
انضم ماركس إلى الحملة وادعى في كتابه أنهم اكتشفوا على الأقل الصخور التي يعتقدون أنها المسؤولة عن نهاية السفينة، لكن قبل أن يشرع الفريق بالتنقيب بالشكل الصحيح في المكان المتوقع للحطام نشب خلاف بين ماليزيا والبرتغال وإندونيسيا بشأن من يملك حق المطالبة بأية غنائم قد يعثر عليها، لذا منعت الحملة من العمل وبقي موقع «فلور دو لا مار» غامضا.
حتى يومنا هذا، تختبئ السفينة التي كانت جزءا مهما من الأسطول البرتغالي في مكان ما قرب مضيق ملقا، منتظرة مجيء مغامر وغواص محظوظ ليكتشفها ويصبح غنيا. ورغم القول الشائع بأن الحطام الضائع يحمي أثمن كنز مدفون في البحر، أشارت بعض الأقاويل إلى أن الكنوز قد لا تكون بالحجم الذي كانت عليه سابقا.
يقول البعض إنه بعد تركها من قبل ألبوكيرك نجا عدد من ركابها، وعند توقف العاصفة حصل عدد من السكان المحليين- ربما بمساعدة الناجين- على بعض من ثرواتها قبل استقرار المتبقي منها في قاع البحر مفقودا إلى الأبد.